«القرآن والمعاملات»
القرآن دستور كامل؛ فكما ذكرنا سابقًا أنه أساس التوازن النفسي والبدني والفكري للإنسان، الآن نذكر قليلًا من تأسيسه لمجتمع متوازن، قوامه العدل والرحمة.
«وكذلك جعلناكم أمة وسطًا». دليل المرء لسعادة الدنيا والآخرة؛ فقد جعلنا الله أمة وسطًا في كل شيئ، فلا إفراط ولا تقتير. والتوازن ليس فقط في المال، بل له صورًا عدة:
التوسط في الإنفاق: «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا» الفرقان: 67 فلا يسرفون في الإنفاق ولا يبخلون على أهلهم، بل بين هذا وذاك.
التوسط في العبادات: عملًا بقول النبي: «هلك المتنطعون»، والمتنطع هو المتشدد والمغالي في المواضع التي لا تطلب الشدة.
التوسط في الشعور؛ خاصّة فيما تشعر تجاه الناس من بليغ الحكمة؛ فلربما أحببت عدوّ الغد وأنت لا تدري، ولربما يألف قلبك من أبغضت اليوم. من يدري؟ لا يخضع القلب لقوانين أبدًا، طبعه التقلّب وعدم الثبات، لذا من حكمة الله أن أمرنا بالاعتدال وكبح زمام الشعور لأن الغيب بيده وحده؛ وخير مثال على ذلك، الصحابة رضوان الله عليهم، فقد بات الواحد منهما كافرًا، وأصبح مسلمًا في غمضة عين. «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة ولى كأنه وليّ حميم».
التسليم بأن أقدار الله مكتوبة، وما كتبه الله لك لم يكن ليفوتك أبدًا؛ كما الأجرام في السماء لا يختلف ميعاد أحدها عن الأخرى: «لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار».
«إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به». فالحياة مع القرآن متوازنة متناغمة لا طغيان فيها ولا خسارة؛ بل إن كل شهوة تتركها في سبيل الله يضاعف لك الله الثواب، وتجد مآلها نعيمًا يوم القيامة.
يؤكد القرآن صفة الاختلاف في البشر؛ فمهما حدث سيملك الناسُ الصفة ونقيضها كاللطيف والقاسي والمؤمن والمشرك. كذلك لكل إنسان له شخصيته المستقلة، وتفكيره وطابعه المميز؛ فقد حرص القرآن على تطبيع ثقافة قبول الاختلاف، فالاختلاف أمر طبيعي، ولو أنكرته لكنت مخالفا للفطرة التي فطر الله الناس عليها. وأكدها الله بقوله في سورتي الأنعام وهود.
وهكذا اقتضت سنته، سبحانه، وجرت مشيئته عز وجلّ، فهو الخالق، تبارك اسمه، يخلق ما يشاء ويختار. ووفق مشيئته يقول لعباده «كونوا»، فنكون..